Posts Tagged ‘مقرر البيولوجي’

كيف أصبحت خرساء…!

جويلية 25, 2010

-لا ..أنا لم أخلق خرساء هكذا , و أبناء قومي لم يكونوا دوماً هكذا, القصة بدأت يوم أخذت مناقيرنا تكبر . أجل …الشيء الوحيد الذي كبر لدينا هو منقارنا الببغائي الذي لا ينفك يكرر ما سمعه منذ خلق في عهد فرعون . وكل ببغاء في هذه الدنيا يخاف الآخر فيتشدق أكثر في تكرير الكلام ليتفوق على الآخرين بغض النظر عن مضمار التفوق.
أما أنا فلم أكن بمثل براعة أبناء فصيلتي بالتغريد و”البلبلة” ولكن الآخرين نظروا إلى وضعي بشكل طبيعي, إذ آمنوا أنها لعنة ألحقت بعائلتي كحكم دنيوي يكفر عن ذنب جدتي الكبرى السابعة لجهة أبي, يوم هربت لتتزوج بوماً من خارج السرب , و أصبحنا نساء العائلة عاهرات أولاد عاهرة لعنت سلالتنا عن بكرة أبيها , بسبب الببغاءة جدتي التي هربت مع البوم…!
لم أتفهم يوماً سر كره أهل فصيلتي للبوم فهو- حسبما قرأت مرة – رمز للحكمة و السكينة , ولكن أهل فصيلتي كانوا يكرهون ذوي الريش الرمادي و كانت عمتي تقول أن البوم مخلوق قبيح قميء باهت , ولذلك فهي تشفق عليهم و لا تستغرب تظاهراتهم الليلية و صمتهم المكابر, و أن هذا هو مصير البشاعة في عالمنا .
ولكنني بعد سنوات تمنيت لو أنني كنت بوماً إذ لعل الصمت خير من ترديد الكلام دون فهم. ولكن والدي قمعني عندما سمع رأيي هذا :
-لم يكن ينقصني إلا أنت , ماذا لو سمعك أحد , ألا يكفينا عار جدتك الكبرى؟
ومنذ ذلك الحين أقلعت عن رفع صوتي , إذ لم أشأ إثارة النعرات و لكنني كنت دائماً أحلق بجناحيّ , وأتفرج على الناس و حياتهم , على الدنيا الشاسعة و ألوانها و جمالها . وكنت دائماً في سري أبكي قدراتي المكبوتة , ورغبتي الكبيرة في الهرب من السرب إلى أماكن أجمل أستطيع فيها أن أشدو قدر رغبتي , فنحن الببغاوات لسنا بهذا الحمق , وبوسعنا في كثير من الأحيان غناء الكثير من تلقاء ذاتنا والكف عن التقليد و لكن خوفنا و جبننا أجبرانا على هذا الاختيار…!
و يوماً ما سهرت طويلاً إلى أن حان الغروب , ورأيت الشمس لأول مرة , و أذهاني المشهد لدرجة أنني أطلت السر و التفرج إلى أن هبط الظلام , ولم أعد قادرة على الإبصار . حينها هبط بجانبي على الغصن بوم كبير, أرعبني و أربكني ذي بدء , و لكنه سرعان ما جذب اهتمامي و أجبرني على السهر معه , و رأيت في ليل الغابة الطويل –بمساعدة البوم-أشياء رائعة مثيرة للاهتمام لم أرها نهاراً مع السرب . كنت سعيدة لدرجة أنني في الأيام التالية كنت أفكر كثيراً بجدتي لكن دون أن ألومها في نفسي هذه المرة , أو أعتب على قرارها المتهور .
و تكررت سهراتي مع البوم , ولكن والدي تنبه للأمر نهايةً , و غضب لدرجة أن وقعت بعض الريشات الزرقاء عن جناحيه , وخوفاً و اتقاءً للعار المحتمل حدوثه نظراً للسوابق أرسلني إلى دير للكهنة معدني معلق في بيت بشري ما, حيث أتدرب على تقليد مختلف الأصوات البشرية . ولكن أهداف أبي لم تتحقق , إذ كرهت حد الموت الأصوات البشرية المعقدة , و الأطفال الصغار الذين تجمعوا حولي في لحظات سكينتي و جعلوا يشدون ذيلي لأتكلم , لكن الوقت كان قد فات , إذ نذرت حينها الصمت الأبدي, على أن أكون كأبناء جنسي . وهكذا يئس الأطفال و رحلوا عني و لكنني مع ذلك ظللت حزينة وظلت أمنيتي الوحيدة, لو أنني أتحول إلى بوم.